الفلامنكو فنّ عريق حيّ .. يُقال أنّ جذوره تعود إلى الحضارة الإيبرية القديمة ..
و إلى الشعب الغجري الإسباني ..
و ما زال النقاش حول أصوله محض تأويلات و استنتاجات ..
و حتى معنى كلمة فلامنكو يبقى مجهولاً لغوياً إلى يومنا هذا ..
و ذلك رغم ما جاء حولها من تفسيرات و ترجمات مختلفة ..
فالبعض يقول أنها من أصل عربي .. "Felag mengu" و الذي يعني الفلاح الهارب ..
و هذا المعنى ينطبق على الغجر الذين تعاملوا مع العرب خلال الاحتلال العربي لأسبانيا ..
و من ثمّ تمّ تشريدهم في القرن الخامس عشر بعد رحيل العرب من غرناطة في عام 1492..
و تقول نظرية أخرى .. أن كلمة فلامنكو تعود إلى كلمة فلاماند (Flamand .. و هم المؤيدون المرافقون للملك شارل كينت .. و الذين أتوا من منطقة فلاندر Flandres في القرن السادس عشر .. لتتويج و مساندة هذا الملك الذي عانى من الضغط العربي الإسلامي حينها .. و في كلتا النظريتين .. كان معنى فلامنكو يشير إلى الغجر .. و إلى طبيعتهم التمرّدية على القوانين و قيود المجتمع .. و لكن في الحقيقة لا أحد يعرف تماماً أصل و معنى هذا المُصطلح
من المعروف أنّ إسبانيا كانت في تلك الفترة مزيجاً من الحضارات و الثقافات .. و هذا يعود إلى النفوذ العربي الإسلامي عندما كان في قمة تألقه .. حيث في عام 711 .. عندما اجتاح العرب الأندلس .. حافظوا على كلّ الديانات و اللغات و الثقافات .. فاكتسبت اسبانيا من هذا الغزو الكثير من الناحية الثقافية .. مما أدى لمزج الفنون الإسبانية و العربية بشكل عام و الموسيقية بشكل خاص ..
و من هنا كان الطابع الشرقي واضح الملامح في الفلامنكو .. و ذلك من حيث التأليف الموسيقي و الرقص .. حيث نجد فيه الاعتماد على الهارموني العربي في النوتات التي يستخدمها العرب على العود و غيره من الآلات التي تعطي التون و النصف تون
تتمحور موسيقى الفلامنكو حول تلاث اتجاهات :
الغناء .. الرقص .. الجيتار .. هذا بالإضافة للتصفيق الجماعي أو الفردي
بالرغم من أنه ليس للفلامنكو نوعاً محدداً .. إلاّ أننا نجد المئات من الأنماط المختلفة .. و كلّ نمط يمتاز بخصوصياته الفنية و توزيعاته الموسيقية ..
و هو فنّ مبتدع و مطوّر .. و مع ذلك .. يعتمد على قواعد و أسس لا تقلّ أهمية عن التأليف الموسيقي الكلاسيكي
هذا الفنّ العريق .. تتجلى به مشاعر الشعوب .. الفرح .. الألم .. الحزن ..و لهذا نجده دائم التنوّع .. معبّراً عن الحالات الاجتماعية التي ينشأ منها
و أغلبية ما نسمعه من مقطوعات فلامنكو .. يتسم بالطابع الإسباني/الغجري ..
تأثير الغجر على الفلامنكو ..
خلال فترة الاحتلال العربي الإسلامي لأسبانيا ( 711-1492 ) .. أتى الغجر من شمال الهند مهاجرون إلى إسبانيا .. و اختلطوا بالشعب و ثقافتهم إلى أن تمّ طرد العرب بوصول الملك فرناند و الملكة إيزابيل عام 1492 .. و هنا صدر أمر ملكي بمنع الاستيطان كما يفعله الغجر حتى يومنا هذا .. و بعد إصدار هذا القانون في عام 1499 .. تشرّد الغجر في الجبال و سكنوا الكهوف و المغارات .. و نتج عن ذلك نوع من الموسيقى التي تعبّر عن مأساتهم و عزلتهم في ذاك الوقت .. لكنهم كانوا يعزفونها بعيداً عن الاختلاط ببقية الشعب .. مكتفين بتطويرها بينهم في حلقات مغلقة .. و لم يتمّ التعرف على موسيقاهم إلاّ في القرن الثامن عشر .. و من هنا أتى تأثيرها على الفلامنكو المعروف حالياً بإيقاعاته الغجرية/الإسبانية
تطوّر الفلامنكو و انتشاره ..
في نهاية القرن الثامن عشر و بداية القرن التاسع عشر .. بدأ الفلامنكو يشق طريقه إلى الساحات العامة و النوادي الفنية .. و ذلك من خلال ما يسمى حينها بـ ( Cafés cantantes ) و من هنا بدأ السماح للغجر بالعودة إلى المدن و الانخلاط مع الحياة العامة و المساهمة في تطوير الفلامنكو .. حيث شهدت تلك الفترة تقارب التراث الفني الإسباني و الغجري ..
في تلك الفترة .. كان المغني هو أساس الفلامنكو .. و مع الزمن .. بدأ الجيتار يفرض نفسه من خلال موهبة و براعة العازفين الذين أدخلوا على الفلامنكو الكثير من التقنيات و التطورات الموسيقية المتميزة
في عام 1910 .. بدأ الفلامنكو يجتاح مسارح الأوبرا باستعراضات مذهلة من حيث التقنية و التأثير النفسي على المستمع .. و أخذ الجيتار انعطافاً كبيراً في هذا المجال .. و بدأ عازفو الجيتار بالانتشار و الشهرة بمؤلفاتهم و حفلاتهم الفردية.
في الخمسينات .. بدأ الفلامينكو يشق طريقه إلى الغرب .. و بدأ باتجاهات تطورية دون الابتعاد عن الأساس .. فنجد مثلاً من يعزف الفلامنكو التقليدي كما اشتهر في القرن الثامن عشر .. و نجد من يعزف الفلامنكو العصري معتمداً على تعاون فني عالمي و ثقافات متنوعة في الموسيقى كالجاز و التانغو و الموسيقى اللاتينية الأمريكية.
تقنية و أبعاد الفلامنكو ..
كما سبق و أشرت أعلاه .. يتألف الفلامنكو من الغناء و الرقص و الجيتار .. إضافة للتصفيق الفردي أو الجماعي ..
و لكن يبقى الغناء مركزاً لمجموعة الفلامنكو .. بينما يقوم الراقص أو الراقصة بترجمة الكلمات و عاطفة المغني .. و ذلك من خلال حركات الجسد و الذراعين و الخطوات المتسارعة أو البطيئة .. و يأتي دور عازف الغيتار مكملاً لهذا التواصل و الانسجام بين المغني و الراقص .. أمّا التصفيق .. فهو تعبير إيقاعي للكلمات و النوتات و المشاعر
تتسم رقصة الفلامنكو بالقوة في التعبير و الكبرياء و الحساسية و الجمال
و هي تختلف عن الرقص الهاديء المتمايل كالرقص الشرقي أو الكلاسيكي ..
يختلف أسلوب الراقصة عن أسلوب الراقص ببعض الحركات العنيفة عند الراقص :
تعبّر راقصة الفلامنكو في رقصها عن الكبرياء و العنفوان ضد الظلم .. و تعتمد في حركاتها على الذراعين و القدمين .. مترجمة أحاسيسها الداخلية بحركات سريعة و قوية .. كالتصفيق .. و الضرب بالقدمين .. و الانحناء السريع للجسد .. و شموخ الرأس في كلّ الإيقاعات
يعتمد راقص الفلامنكو في حركاته على قوته الجسدية .. هذا بالإضافة لحركات ذراعيه و قدميه بعنف يترجم الثورة على القيود و الظلم
بشكل عام .. في رقصات الفلامنكو .. لا تتحرك الأجساد الراقصة على إيقاعات الموسيقى فحسب .. و إنما على نبرة و طبقة صوت المغني .. و حركة الرقص السريعة جداً .. تبدو أحياناً كأنها حركة ذاتية غريزية لا تتبع أوامر الدماغ ..
يبقى العنف الإيمائي في رقصة الفلامنكو مادة أساسية لا بدّ منها .. حيث يعبّر الراقص من خلالها عن الرفض و عن حرية التعبير.
من أبرز عمالقة الفلامنكو المعاصرين ..
- فرقة الـ جيبسي كينغ
- Manolo Caracol
- عازف الغيتار PACO DE LUCIA الإسباني باكو دي لوسيا
- الإسباني TOMATITO
و غيرهم من الأسماء التي أبدعت في هذا الفنّ في جميع أنحاء العالم
firma mia loco del flamencooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooo