بسم الله الرحمن الرحيم
السﻼم عليكم ورحمة الله وبركاته
هدي النبي صلى الله عليه و سلم في ضحكه و بكائه
كان صلى الله عليه و سلم يضحك مما يُضحَكُ منه ، و هو مما يُتعجب من مثله و يُستغربُ وقوعُه .
و للضحك أسبابٌ عديدة ، هذا أحدها . و الثاني : ضحك الفرح و هو أن يرى ما يسُّره أو يُباشره . و الثالث : ضحك الغضب ، و هو كثيراً ما يعتري الغضبان إذا اشتد غضبه ، و سببه تعجب الغضبان مما أورد عليه الغضبُ ، و شعور نفسه بالقدرة على خصمه ، و أنه في قبضته ، و قد يكون ضحكه لِمُلكه نفسه عند الغضب ، و إعراضه عمن أغضبه ، و عدم اكتراثه به .
بكاؤه صلى الله عليه و سلم
و أما بكاؤه صلى الله عليه و سلم ، فكان من جنس ضحكه ، لم يكن بشهيقٍ و رفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقةٍ ، و لكن كانت تدمع عيناه حتى تهمُﻼ ، و يُسمع لصدرهِ أزيزٌ .
و كان بكاؤه تارةً رحمةً للميت و تارةً خوفاً على أمتهِ و شفقةٍ عليها ، و تارةمن خشية الله ، و تارة عند سماع القرآن ، و هو بكاء اشتياق و محبة و إجﻼل ، مصاحب للخوف و الخشية .
و لما مات ابنه إبراهيم ، دمعت عيناهُ و بكى رحمة له ، و قال : { تدمع العينُ و يحزنُ القلبُ و ﻻ نقولُ إﻻ ما يرضي رَبَّنَا ، و إنا بكَ يا إبراهيمُ لمحزونون} رواه البخاري و مسلم .
و بكى لما شاهد إحدى بناته و نفسُها تفيضُ ، و بكى لما قرأَ عليه ابنُ مسعود سورة النساء و انتهى إلى قوله تعالى (( فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيدٍ و جئنا بكَ على هؤﻻء شهيداً )) النساء : 41.
و بكى لما مات عثمان بن مظعون ، و بكى لكا كسفت الشمسُ ، و صلى صﻼة الكسوف و جعل يبكي في صﻼته و جعل ينفخ ، و يقول ( رَبِّ ألم تَعِدْني أﻻَّ تُعِذِّبَهُم و أنا فيهم و هم يستغفرون ، و نحن نستغفرك ) رواه أبو داود و أحمد و الترمذي . و بكى لما جلس على قبر إحدى بناته . و كان يبكي أحياناً في صﻼة الليل 0
أنواع البكاء :
و البكاء أنواع أحدها : بكاء الرحمة و الرقة .
و الثاني : بكاء الخوف و الخشية .
و الثالث : بكاء المحبة و الشوق .
و الرابع : بكاء الفرح و السرور .
و الخامس : بكاء الجزع من ورود المؤلم و عدم احتماله .
و السادس : بكاء الحزن .
و الفرق بين بكاء الحزن و بكاء الخوف ، أن بكاء الحزن يكون على ما مضى من حصول مكروه ، أو فوات محبوب ، و بكاء الخوف يكون لما يُتوقع في المستقبل من ذلك ،
و الفرق بين بكاء السرور و الفرح و بكاء الحزن ، أن دمعة السرور باردة ، و القلب فرحان ، و دمعة الحزن حارة ، و القلب حزين . و لهذا يقال لما يُفرح به : هو قُرَّةُ عينٍ ، و أقرَّ الله به عينه ، و يقال لما يحزن : هو سخينةُ العين ، و أسخن الله عينه بهِ
و السابع : بكاء الخور و الضعف .
و الثامن : بكاء النفاق ، و هو أن تدمع العين و القلب قاسٍ فيُظهرُ صاحبُه الخشوع و هو من أقسى الناس قلباً .
و التاسع : البكاء المستعار و المستأجر عليه ، كبكاء النائحة باﻷجرة ، فإنها كما قال عمر بن الخطاب : تبيع عبرتها ( دمعتها ) و تبكي شَجْوَ غيرها .
و العاشر : بكاء الموافقة ، و هو أن يرى الرجلُ الناس يبكون ﻷمر ورد عليهم ، فيبكي معهم و هو ﻻ يدري ﻷي شىءٍ يبكون و لكن يراهم يبكون فبكي لبكائهم.
و ما كان منه ( البكاء ) مستدعىً متكلفاً فهو التباكي و هو نوعان : محمود ، و مذموم
فالمحمود : أن يستجلب لرقة القلب و لخشية الله ، ﻻ للرياء و السمعة .
و المذموم : أن يُجتلب ﻷجل الخلق .
و قد قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم و قد رآه يبكي هو و أبو بكر في شأن أسارى بدر : أخبرني ما يثبكيك يا رسول الله ؟ فإن وجدت بكاءً بكيت ُ ، و إن لم أجد تباكيتُ لبكائكما ، و لم ينكر عليه صلى الله عليه و سلم . رواه مسلم
( من كتب زاد المعاد ﻻبن القيّم )
نسأل الله أن يرزقنا اتباع هديه صلى الله عليه و سلم في اﻷمور كلها